بقلم: عبدالله حافيظي السباعي
تعود بي الذاكرة إلى مقال كتبته في بداية التسعينيات من القرن الماضي بعنوان قضية الصحراء المغربية في عنق الزجاجة، ونشرته في كتابي الصحراء المغربية بين المطرقة والسندان.
ذلك الكتاب الذي طبعته على حسابي الخاص سنة 2004 بمطبعة إكدل، وطبعت منه أكثر من أربعة آلاف نسخة. أقسم بالله أنني لا أملك حتى نسخة واحدة لنفسي، ولا أعلم من اشترى أو قرصن النسخ الأخرى! وقد اضطررت إلى نشره على الإنترنت تلبيةً لرغبة بعض الأصدقاء.
كان المقال حينها يُعبّر عن مرحلة حرجة مرت بها القضية، مرحلة كانت تنذر بأسوأ العواقب…
الانفصاليون يهددون بالعودة إلى السلاح، وأكثر من 72 دولة كانت تعترف بالجمهورية الوهمية بتندوف، والمفاوضات في هيوستن فشلت فشلاً ذريعًا لأن الانفصاليين ومن ورائهم الجزائر ظلوا متشبثين بتقرير المصير.
في تلك الفترة كتبت رسالة مفتوحة إلى المرحوم محمد ولد عبد العزيز المراكشي، أناشده فيها الرجوع إلى جادة الصواب والقبول بالسلام والعودة الجماعية، تلبيةً لنداء المغفور له الملك الحسن الثاني: «إن الوطن غفور رحيم».
تلقيت جوابًا من نائب ممثل الانفصاليين بواشنطن مولود سعيد، الذي التقيت به هناك، وتحدثنا حديثًا أخويًا صادقًا. قال لي حينها:
“أنتم المغاربة اعملوا لتطبيق الحكم الذاتي، ونحن الانفصاليون سنعمل لتقرير المصير. إذا نجحتم أنتم نلتحق بكم، وإذا نجحنا نحن تلتحقون بنا.”
مرت الآن أكثر من عشرين سنة على تلك المرحلة، بخيرها وشرها، والمغرب ماضٍ في بناء صحرائه وتنميتها.
لقد تحولت الصحراء المغربية إلى جنة خضراء: مدن حديثة تضاهي كبريات المدن الإفريقية، بنية تحتية متطورة، موانئ ومطارات، طرق سيارة تصل إلى الكركرات، وسكن وصحة وتعليم يضاهي أرقى المستويات.
ولو كان المغرب غازيًا أو مستعمِرًا كما يدّعي بعض ضعاف العقول، لما أنفق كل هذا الجهد والمال في تنمية الأقاليم الجنوبية.
لكن رغم النجاح في تنمية الأرض، لم ننجح بالقدر الكافي في تنمية الإنسان.
الهدر المدرسي في تزايد، البطالة بين الشباب بلغت مستويات مقلقة، والكثير منهم أصبح أداة في يد أعداء الوحدة. بعض المستفيدين من خيرات المغرب لا يزالون يرفعون شعارات الانفصال، وكأن لسان حالهم يقول: قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم!
استفتاء تقرير المصير أصبح مستحيل التطبيق، لأن الصحراويين الأصليين لا يشكلون سوى نحو 7% من سكان المنطقة، فهل يُعقل أن تُقصي الأمم المتحدة أكثر من 93% ممن وُلدوا وترعرعوا في الصحراء وتحرمهم من المشاركة في حل من الحلول سواء حكما ذاتيا او تقريرا للمصير ؟
إن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي والعادل، لا غالب فيه ولا مغلوب.
الحكم الذاتي المقترح، والذي سيُعرض للتصويت يوم 31 أكتوبر 2025، يضمن لسكان الصحراء تسيير شؤونهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار السيادة المغربية.
إذا قبل هذا المقترح ونجا من فيتو روسي او صيني فان المغرب سيشرع في نقل المجلس الاستشاري الملكي الصحراوي الى عاصمة الاقليم الصحراوية العيون مع تجديده وإفاقته من سباته العميق ليكون نواة للبدء في تحقيق الحكم الذاتي الحقيقي في الصحراء ليقنع الطرف الاخر بخيرات العودة الى جادة الصواب …
لقد نجح هذا النموذج في مناطق أخرى من العالم، وأبرز مثال على ذلك منطقة الباسك الإسبانية، التي اختارت السلم بعد سنوات من الصراع، وقبلت بالحكم الذاتي تحت سيادة مدريد.
نأمل أن يحذو إخواننا الصحراويون الانفصاليون نفس الطريق، وأن يقبلوا بالحكم الذاتي تحت سيادة المملكة المغربية، ليعيش الجميع في أمن وسلام.
أما إذا رُفض هذا الحل الواقعي، فإن المنطقة قد تعرف تطورات خطيرة، ولن يكون المتضرر الأول إلا الصحراويين أنفسهم.
لقد آن الأوان لدول الجوار، وخاصة الجزائر وموريتانيا، أن تساهم بكل مسؤولية في تشجيع الحل السلمي العادل تحت رعاية الأمم المتحدة، من أجل إغلاق هذا الملف المفتعل، والانطلاق نحو بناء اتحاد مغاربي قوي يضمن لشعوب المنطقة الكرامة والازدهار.
أوروبا توحدت بعد قرون من الصراع، ونحن في المغرب العربي يجمعنا الدين واللغة والمصير المشترك، ومع ذلك ما زلنا نبحث عن ذواتنا.
إن الوحدة، ونكران الذات، والتضحية، هي السبيل إلى عزتنا ورفاهية شعوبنا.
إني انصح اخواني الصحراويين وحدويين كانوا او انفصاليين بالعظ على مقترح الحكم الذاتي الحقيقي بالنواجذ لان تفاحة في اليد خير من عشرة في الغد واذا لم يقبلوه فسيندمون من حيث لا ينفع الندم اتمنى ان لا تذهب نصيحتي ادراج الرياح ويطبق عليها قول الشاعر دريد الصماء :
أمرتهم امري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
وحرّر برباط الفتح
في غرة يوم الثلاثاء 28 أكتوبر 2025
