المساء نيوز – نورالدين فخاري
في خطوة جديدة تعكس التزام الدولة المغربية بتخليق الحياة العامة وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، أعلنت وزارة الداخلية عن معطيات لافتة بخصوص تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فقد كشفت عن إحالة 302 منتخبًا على القضاء، من بينهم 52 رئيس جماعة و69 رئيسًا سابقًا، إضافة إلى 216 طلبًا للعزل وُجّهت إلى المحاكم الإدارية المختصة.
يأتي هذا الإعلان في سياق وطني يسعى إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن المحلي، بعد أن رصدت تقارير ميدانية عدة اختلالات في التسيير وسوء استعمال الموارد العمومية، فضلاً عن منح رخص ومشاريع خارج الإطار القانوني. هذه التجاوزات دفعت وزارة الداخلية إلى اتخاذ إجراءات صارمة لتصحيح الوضع وإعادة الانضباط للمجالس المنتخبة.
ووفق مصادر مطلعة، فقد شملت المتابعات منتخبين حاليين وسابقين، بسبب مخالفات تتراوح بين سوء تدبير المال العام، وتضارب المصالح، واستغلال النفوذ، وتجاوز الصلاحيات الإدارية. كما تم تقديم طلبات العزل بناءً على تقارير دقيقة صادرة عن المفتشية العامة للإدارة الترابية، عقب عمليات افتحاص شاملة لمختلف جهات المملكة.
ويرى مراقبون أن هذه المعطيات تعكس إرادة واضحة لدى وزارة الداخلية لتفعيل مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، الذي يُعد من المرتكزات الأساسية للنموذج التنموي الجديد، ويهدف إلى إعادة الاعتبار لدور الجماعات الترابية كفاعل محوري في التنمية المحلية. فالمساءلة اليوم لم تعد مجرد شعار، بل ممارسة مؤسساتية تضمن حسن استعمال المال العام وتصحح مسار التدبير الجماعي.
في المقابل، نبّه خبراء في الشأن المحلي إلى أن ارتفاع عدد المتابعات القضائية قد يشير أيضًا إلى ضعف التكوين والتأطير لدى عدد من المنتخبين، معتبرين أن بعض التجاوزات قد تكون نتيجة جهل بالقوانين والمساطر أكثر من كونها فسادًا مقصودًا، ما يستدعي الاستثمار في التكوين والدعم المؤسساتي لضمان ممارسة مسؤولة وواعية.
ويأتي هذا الحراك في ظل تحولات عميقة تعرفها العلاقة بين الإدارة والمجالس المنتخبة، في إطار إعادة بناء منظومة الحكامة الترابية على أسس الفعالية والمساءلة، انسجامًا مع التوجيهات الملكية السامية التي تؤكد على ضرورة الرفع من أداء الجماعات الترابية لتكون في مستوى تطلعات المواطنين.
ويؤكد مراقبون أن هذه الموجة من المتابعات والعزل لن تكون الأخيرة، بل تمثل مرحلة جديدة في مسار تطهير وتحديث التدبير المحلي، تروم إعادة الثقة في المؤسسات المنتخبة وتعزيز التنافس الشريف بين الفاعلين السياسيين على أساس الكفاءة والنزاهة. كما يُتوقع أن تُحدث هذه الإجراءات أثرًا ردعيًا يكرس ثقافة المسؤولية الأخلاقية في الممارسة السياسية.
ويظل الرهان الأكبر، وفق المتتبعين، هو تحقيق التوازن بين الصرامة في المحاسبة والتحفيز على المشاركة السياسية، لأن إصلاح الحقل المحلي لا يمكن أن يتحقق فقط عبر الزجر، بل أيضًا من خلال تمكين المنتخبين من التكوين والمواكبة، حتى يصبح العمل الجماعي رافعة للتنمية ومجالًا لترسيخ قيم المواطنة المسؤولة.
