ما تزال مدينة تارودانت تعيش تحت وقع الصدمة بعد الحريق المهول الذي اندلع صباح يوم الخميس 16 أكتوبر 2025 بسوق جنان الجامع، أحد أقدم وأشهر الأسواق التاريخية بالمدينة، مخلفاً خسائر مادية جسيمة، دون تسجيل أي خسائر بشرية، والحمد لله. فالحادث لم يطال المحلات التجارية فحسب، بل أصاب جزءاً من ذاكرة المدينة الاقتصادية والاجتماعية الممتدة لعقود.
وفق إفادات عدد من الحرفيين المتضررين، يضم السوق أكثر من 700 محل تجاري، احترق منها ما يزيد عن 80 في المائة، بعدما التهمت ألسنة اللهب محتوياتها بالكامل. وساهمت طبيعة البضائع المعروضة، من أثواب وملابس وأوانٍ بلاستيكية، في سرعة انتشار النيران وتحويل السوق في لحظات إلى جحيم حقيقي.
إلى جانب ذلك، ساهم ضيق الأزقة وغياب ممرات الإطفاء وفوهات المياه داخل السوق في تفاقم الكارثة، ما جعل مهمة عناصر الوقاية المدنية أكثر تعقيداً. ورغم محدودية الإمكانيات، خاض رجال الإطفاء معركة شرسة ضد النيران، بمساندة القوات المساعدة وموظفي الجماعة الترابية، إلى جانب تدخل ساكنة المدينة التي هبّت بكل شجاعة لتقديم الدعم والمساعدة.
كما كان لتدخل شاحنات الإطفاء القادمة من مدن مجاورة، ودعم التعاونية الفلاحية “كوباك” بشاحناتها وعمّالها، دور كبير في احتواء الحريق ومنع تمدده إلى المنازل المجاورة، بعدما اضطر بعض السكان لمغادرة منازلهم خوفاً من وصول ألسنة اللهب إليها.
ومنذ الساعات الأولى للحادث، حضر عامل إقليم تارودانت السيد مبروك تابت إلى عين المكان، حيث أشرف على عمليات التدخل ميدانياً، وأعطى تعليماته لتعبئة مختلف المصالح والقطاعات المعنية، مؤكداً على ضرورة التنسيق السريع والفعّال. وحضور المسؤول ساهم بشكل واضح في ضبط العمليات وتنظيمها، مما مكّن من الحد من الخسائر.
أما على صعيد الخسائر المادية، فقد وُصفت بأنها ثقيلة ومؤلمة للغاية. فقد فقد العديد من التجار كل ممتلكاتهم، بينما احترقت ممتلكات البعض الآخر بشكل كامل، ليجدوا أنفسهم عاجزين عن سداد ديونهم تجاه الشركات الموردة، ما يضعهم بين ليلة وضحاها في مواجهة خطر الإفلاس أو المتابعة القضائية.
اليوم، يقف الحرفيون على رماد محلاتهم مطالبين بإعادة بناء السوق بشكل عصري وآمن، مع توفير تجهيزات الوقاية وممرات الطوارئ، حفاظاً على الأرواح والممتلكات. ويتفق الجميع على ضرورة إعادة إحياء السوق برؤية حديثة تحفظ ذاكرته التاريخية وتكرّم إرثه، ليعود سوق جنان الجامع كما كان دائماً: قلب تارودانت النابض بالحياة.
