المساء نيوز – بقلم نور الدين فخاري
يشهد المشهد السياسي والاجتماعي المغربي خلال السنوات الأخيرة تحولات عميقة في أنماط التعبير والاحتجاج، خصوصاً مع تصاعد ردود الأفعال الرافضة لبعض القرارات الحكومية والإصلاحات التي وُصفت بأنها غير منسجمة مع التطلعات الواقعية للمجتمع. هذا التحول لم يكن معزولاً عن السياق العالمي، بل جاء نتيجة مباشرة لتضييق فضاءات التعبير الميداني وتراجع دور الوسائط السياسية التقليدية، ما جعل الفضاء الرقمي يتحول إلى البديل الطبيعي للاحتجاج والتعبئة.
في هذا السياق، برز جيل Z كفاعل رئيسي في الحراك الرقمي الجديد. جيلٌ نشأ في ظل الثورة التكنولوجية ويجيد أدوات التواصل الرقمي أكثر مما يجيد آليات العمل الحزبي أو النقابي. لم تعد منصات “تيك توك” و**”إنستغرام”** مجرد فضاءات للترفيه أو نشر المحتوى اليومي، بل تحولت إلى ساحات لتبادل الأفكار والمطالب، وصناعة الرأي العام، وإطلاق حملات احتجاج رقمية سريعة الانتشار.
لكن هذه الحيوية الرقمية، على أهميتها، لم تَخلُ من المخاطر. فقد تسللت إلى هذه المساحات أطراف داخلية وخارجية تسعى لتوجيه الغضب الشعبي نحو أهداف سياسية أو أيديولوجية معينة، مستغلة هشاشة الوعي الرقمي وضعف آليات التحقق لدى جيل شاب يستهلك المحتوى القصير بكثافة دون تمحيص. كما أن بعض الحملات المنظمة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحولت إلى أدوات للتحريض، والتشكيك، وبث الفوضى الرمزية التي تستهدف المؤسسات الوطنية ومقومات الثقة العامة.
أمام هذا الوضع، لم يعد الحديث عن التحصين الرقمي ترفاً فكرياً أو خياراً سياسياً مؤجلاً، بل أصبح ضرورة استراتيجية لحماية الدولة والمجتمع على حد سواء. فالتحدي اليوم لا يتعلق فقط بضبط المحتوى أو مراقبته، بل ببناء وعي رقمي وطني قادر على التمييز بين حرية التعبير المشروعة وخطاب التحريض أو التضليل المنهجي.
ويبدأ هذا التحصين من البعد المؤسسي، عبر بناء منصات وطنية مفتوحة للشباب تتيح لهم التعبير والمشاركة بطرق حضارية، إلى جانب تطوير إعلام رقمي مواطن، يجمع بين المصداقية والجاذبية، ويواجه خطاب الفوضى بخطاب عقلاني ومهني.
كما يشمل التحصين البعد التربوي، من خلال تحديث المناهج التعليمية وإدماج دروس وممارسات حول التربية الإعلامية والمواطنة الرقمية، لتدريب الأجيال الجديدة على التحقق من الأخبار الزائفة، ومقاومة الشائعات، وتعزيز التفكير النقدي المستقل.
أما البعد المجتمعي، فيكمن في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وتمكين الشباب من قنوات حقيقية للمشاركة في القرار العمومي، بما يعيد التوازن بين التعبير الافتراضي والمشاركة الواقعية. فكلما شعر الشباب بوجود فضاءات شرعية وشفافة للتعبير، قلّ انجرافهم وراء الخطابات المحرضة التي تزدهر في بيئات الإقصاء.
في النهاية، إن الحماية الرقمية ليست مجرد أداة أمنية، بل مشروع وطني لبناء الثقة والمواطنة. فالمجتمع الذي لا يتحصن رقمياً، يظل عرضة للاختراق والتضليل، بينما التحصين الواعي يحول الفضاء الافتراضي من ساحة صراع إلى مجالٍ للإبداع، والمساءلة، والمشاركة الديمقراطية المسؤولة.
