المساء نيوز – فكري ولدعلي
في تحول استراتيجي لافت، يتجه المغرب بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانته كمركز إقليمي لصناعة الألعاب الإلكترونية (الجيمنج)، وهو قطاع عالمي تبلغ قيمة تداولاته نحو 300 مليار دولار. ما كان يُنظر إليه في السابق كـ”هواية شبابية” بات اليوم ركيزة اقتصادية واعدة، مدعومة برؤية ملكية طموحة تروم تحقيق مداخيل تُقدّر بـ30 مليار درهم (حوالي 3 مليارات دولار)، أي ما يعادل 1% من السوق العالمية لهذا القطاع الدينامي.
لا شك أن التحدي الأول يتمثل في تغيير النظرة المجتمعية السائدة تجاه “الجيمنج”، حيث لا يزال يُربط غالبًا بالاستهلاك الترفيهي بدل كونه صناعة تكنولوجية متكاملة تقوم على الإبداع، البرمجة، والتصميم. غير أن السلطات المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، باتت تُدرك الإمكانيات الهائلة التي يختزنها هذا القطاع المستقبلي.
وقد تُرجمت هذه القناعة إلى خطوات ملموسة، من أبرزها إشراف جلالة الملك شخصيًا على توقيع اتفاقية استراتيجية مع الجانب الفرنسي، بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون، ترمي إلى تعزيز التعاون في مجال صناعة الألعاب الإلكترونية.
هذه الاتفاقية ليست فقط إطارًا لجذب الاستثمارات، بل تؤسس لبناء قدرات وطنية وتطوير بنية تحتية قادرة على مواكبة متطلبات هذه الصناعة الصاعدة.
يرتبط هذا التوجه بإرادة ملكية واضحة لتوسيع قاعدة الاقتصاد المغربي وتنويع مصادره بعيدًا عن القطاعات التقليدية. ويُراهن المغرب على الاستثمار في الاقتصاد الرقمي، وفي مقدّمته صناعة الجيمنج، باعتباره مدخلًا نحو اقتصاد أكثر استدامة، يعتمد على الابتكار والتكنولوجيا.
ويمتلك المغرب مؤهلات واعدة تتيح له التموقع في هذا السوق، من بينها توفر كفاءات شابة ذات مؤهلات تقنية عالية، بنية تحتية رقمية آخذة في التحسن، إضافة إلى موقع جغرافي متميز يربط بين أوروبا، إفريقيا والعالم العربي.
الطموح المغربي في تحقيق 3 مليارات دولار من عائدات صناعة الجيمنج يفتح آفاقًا واعدة على عدة مستويات، تشمل خلق فرص شغل جديدة، تشجيع الابتكار، وتطوير محتوى رقمي مغربي موجه للأسواق العالمية. لكن هذا المسار لن يخلو من التحديات، في مقدمتها المنافسة الحادة من دول رائدة في هذا المجال، والحاجة الملحة إلى ضخ استثمارات كبيرة في مجالات البحث والتطوير، وكذا ضرورة تأهيل الموارد البشرية ومواءمة التكوينات مع حاجيات القطاع.
ورغم هذه التحديات، فإن الدعم السياسي والملكي الواضح لهذه الاستراتيجية يعزز ثقة الفاعلين الوطنيين والدوليين في قدرة المغرب على التحول إلى فاعل مؤثر في اقتصاد المعرفة.
إنه ليس مجرد رهان اقتصادي، بل خطوة نوعية نحو تمكين الشباب، والتموقع ضمن الصناعات الرقمية للمستقبل.
