في السنوات الأخيرة، لم تعد المنافسة السياسية بين الأحزاب تقتصر على قاعات المناظرات أو الحملات الميدانية، بل امتدت إلى العالم الرقمي، حيث ظهر ما بات يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني” كأداة جديدة في معركة التأثير على الرأي العام.
ما هو الذباب الإلكتروني؟
المصطلح يشير إلى حسابات وهمية أو مدارة مركزياً على مواقع التواصل الاجتماعي، تُنشأ بكثرة وتعمل بشكل منظم على نشر تعليقات متكررة، أو مهاجمة الخصوم، أو تضخيم إنجازات طرف سياسي معين. الهدف الأساسي هو صناعة انطباع زائف عن حجم الدعم أو المعارضة، والتأثير النفسي في المتابعين.
من المناظرات إلى التخوين
بينما كان النقاش السياسي في السابق يُدار عبر المنابر الإعلامية أو المناظرات المباشرة، انتقلت المعركة اليوم إلى فضاء التعليقات الافتراضية. لم يعد الجدل يركز على البرامج والبدائل، بل تحوّل في كثير من الأحيان إلى أسلوب “التخوين” و”تشويه السمعة”، حيث تُستخدم جيوش الذباب الإلكتروني كأداة للتدليس وصناعة أخبار أو تعليقات تستهدف ضرب صورة الخصم.
الغاية من هذه الحرب الرقمية
الغاية المباشرة تتمثل في التأثير على الرأي العام، سواء بتلميع صورة حزب معين أو ضرب مصداقية منافسيه. كما يسعى القائمون على هذه الحملات إلى خلق “قطيع رقمي” يردد نفس الشعارات والاتهامات، ما يعطي انطباعاً بوجود رأي عام واسع مؤيد لموقف محدد، بينما في الواقع قد يكون مجرد ضجيج اصطناعي تديره خوارزميات وحسابات مزيفة.
تأثير الظاهرة على المشهد السياسي
هذا النمط من “الحرب الرقمية” لا يقتصر أثره على الأحزاب والمرشحين فقط، بل يمتد ليشمل ثقة المواطن في السياسة بشكل عام. فحين يغرق الفضاء العام في خطاب التخوين والتشويه، يصبح من الصعب التمييز بين المعلومة الصحيحة والدعاية الموجهة، وهو ما يضعف النقاش الديمقراطي الحقيقي ويزيد من فقدان الثقة في المؤسسات.
خلاصة
بينما يُفترض أن تكون وسائل التواصل فضاءً للنقاش والتقارب بين الآراء، تحولت بفعل الذباب الإلكتروني إلى ساحة صراع خفي تديره “أصابع مجهولة”، هدفها الأول ليس إقناع المواطن بالحجة والبرامج، بل توجيه مشاعره وفق ما يخدم أجندات حزبية ضيقة.
